الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
إنْ وُجِدَ صَغِيرٌ مَنْبُوذٌ فَفَرْضٌ عَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ، وَلاَ بُدَّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
وَاللَّقِيطُ حُرٌّ، وَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ لأََنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَوْلاَدُ آدَمَ وَزَوْجِهِ حَوَّاءَ عليهما السلام وَهُمَا حُرَّانِ وَأَوْلاَدُ الْحُرَّةِ أَحْرَارٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ فَهُوَ حُرٌّ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلاَ نَصَّ فِيهِمَا يُوجِبُ إرْقَاقَ اللَّقِيطِ، وَإِذْ لاَ رِقَّ عَلَيْهِ فَلاَ وَلاَءَ لأََحَدٍ عَلَيْهِ؛ لأََنَّهُ لاَ وَلاَءَ إِلاَّ بَعْدَ صِحَّةِ رِقٍّ عَلَى الْمَرْءِ، أَوْ عَلَى أَبٍ لَهُ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِنَسَبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فَأَتَى بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هُوَ حُرٌّ، وَوَلاَؤُهُ لَك، وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ جَعَلَ وَلاَءَ اللَّقِيطِ لِمَنْ الْتَقَطَهُ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: اللَّقِيطُ عَبْدٌ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَوْطٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: هُمْ مَمْلُوكُونَ يَعْنِي اللُّقَطَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ: إنَّ عَمْرًا أَعْتَقَ لَقِيطًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زُهَيْرٍ الْعَنْسِيّ أَنَّ رَجُلاً الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْتَقَهُ. قال أبو محمد: لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَمْلُوكٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فإن قيل: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَكَمَ عَنْ اللَّقِيطِ فَقَالاَ جَمِيعًا: هُوَ حُرٌّ فَقُلْت: عَمَّنْ فَقَالَ الْحَكَمُ: عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ. وَرَوَيْتُمْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَمُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ مُوسَى: رَأَيْت وَلَدَ زِنًا أَلْحَقَهُ عَلِيٌّ فِي مَائِهِ. وَقَالَ زُهَيْرٌ عَنْ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَسِيحٍ قَالَ: وَجَدْت لَقِيطًا فَأَتَيْت بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَلْحَقَهُ فِي مَائِهِ قلنا: لَيْسَ فِي هَذَا خِلاَفٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لأََنَّ قَوْلَ عُمَرَ هُوَ حُرٌّ، وَقَوْلَ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ هُوَ حُرٌّ، إذَا ضُمَّ إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْتَقَ اللَّقِيطَ، مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ، وَأَنَّ وَلاَءَهُ لِمَنْ وَجَدَهُ، اتَّفَقَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا رضي الله عنهما هُوَ حُرٌّ: أَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْهُمَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ تَرَكَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ " الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ " وَلَوْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْ عُمَرَ لَمَا كَانَ خِلاَفًا لِلسُّنَّةِ فِي أَنَّ الْبَيْعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ، فَالصَّفْقَةُ التَّفَرُّقُ، وَالْخِيَارُ التَّخْيِيرُ، ثُمَّ لاَ يَجْعَلُ مَا رَوَى سُنَيْنٌ وَلَهُ صُحْبَةٌ عَنْ عُمَرَ حُجَّةً، وَمَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ حُجَّةٌ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ وَاَللَّهِ أَجَلُّ وَأَوْضَحُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لِعُمَرَ، وَعَلِيٍّ هَهُنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، لاَ سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ هُمْ أَبَدًا يَأْخُذُونَ بِمَا دُونَهُ: وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلاَنِيِّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الْوَاحِدِ النَّصْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ مَوَارِيثَ، لَقِيطَهَا، وَعَتِيقَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لاَ عَنَتْ عَلَيْهِ. قال أبو محمد: عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ النَّصْرِيُّ مَجْهُولاَنِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَأَمَّا هُمْ فَلاَ يُبَالُونَ بِهَذَا، وَلاَ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا: وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَرِقُّ وَأَصْلُهُ الْحُرِّيَّةُ قلنا: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَوَ لَسْتُمْ الْقَائِلِينَ: إنَّ رَجُلاً قُرَشِيًّا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا هُوَ وَامْرَأَتُهُ الْقُرَشِيَّةُ مُرْتَدَّةً، فَوَلَدَتْ هُنَالِكَ أَوْلاَدًا، فَإِنَّ أَوْلاَدَهُمْ أَرِقَّاءُ مَمْلُوكُونَ يُبَاعُونَ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: إنَّ تِلْكَ الْقُرَشِيَّةَ تُبَاعُ وَتُتَمَلَّكُ، أَوْ لَيْسَ الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ إمَّا عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ لَوْ صَارُوا ذِمَّةً سُكَّانًا بَيْنَنَا، أَوْ بِأَيْدِيهِمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحْرَارٌ وَحَرَائِرُ، أَسَرُوهُمْ وَبَقُوا عَلَى الإِسْلاَمِ فِي حَالِ أَسْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ لأََهْلِ الذَّمَّةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَتَبَايَعُونَهُمْ مَتَى شَاءُوا، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ، فَأَيُّمَا أَشْنَعُ وَأَفْظَعُ، هَذَا كُلُّهُ، أَوْ إرْقَاقُ لَقِيطٍ لاَ يَدْرِي عَنْ أُمِّهِ أَحُرَّةٌ أَمْ أَمَةٌ حَتَّى لَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكْرِيُّ التَّدْمِيرِيُّ وَمَا عَلِمْت فِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلاَ أُصَدِّقُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ كِبَارِهِمْ: أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي: أَنَّ التَّاجِرَ، أَوْ الرَّسُولَ، إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَأَعْطَوْهُ أُسَرَاءَ مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَائِرِهِمْ عَطِيَّةً، فَهُمْ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ لَهُ يَطَأُ وَيَبِيعُ كَسَائِرِ مَا يَمْلِكُ، شَاهَ وَجْهُ هَذَا الْمُفْتِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ عَلَى هَذَا قال أبو محمد: وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلاً آخَرَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي اللَّقِيطِ، قَالَ: لَهُ نِيَّتُهُ إنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَهُوَ عَبْدٌ. وَقَوْلُنَا: بِأَنَّهُ لاَ رِقَّ عَلَيْهِ: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَهِدِنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ الْأُصُولَ، وَالْقِيَاسَ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهَلاَّ قَالُوا هَهُنَا هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَكُلُّ مَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لَهُ؛ لأََنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُ، وَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ فَكُلُّ مَا كَانَ بِيَدِهِ فَهُوَ لَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ
وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ اللَّقِيطَ ابْنُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا: صُدِّقَ، إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَقًّا، فَإِنْ تُيُقِّنَ كَذِبُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْوِلاَدَاتِ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ بِقَوْلِ الآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَهَكَذَا أَنْسَابُ النَّاسِ كُلِّهِمْ، مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الْكَذِبُ. وَإِنَّمَا قلنا لِلْمُسْلِمِينَ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَعَلَى الْمِلَّةِ وَقَوْلِهِ عليه السلام عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:
|